.. سـَــــرَابْ .. و أحـياناً أغـدو تَـنْهيــــدَة

الأربعاء، سبتمبر ١٥، ٢٠٠٤

.. قـــصــــــة ..

(عـنــــوان مــنــــال)

من الناحية الأخرى من الكوكب انحدرت باتجاهي هذه الرسالة، حين لم تكن كندا تعني لي سوى خارطة في كتاب الجغرافيا، تعلو الولايات المتحدة متممة خارطة أمريكا الشمالية، وقبل أن تتحول إلى مشروع مرعب مسلط فوق رأس منال

..


منال لم تكن معرفتي بها وثيقة للغاية، بل كثيراً ما كانت تنحصر في زيارات متفرقة نستطيع أن نقنع بها النطاق العائلي الشائك و المضروب حول كل منا، إضافة إلى أننا تشاركنا في الجامعة في مادة من المواد في فصل التخرج، وكان فصلاً دراسياً ممتعاً محتدماً بالتفاصيل الغرائبية حول منطاد كنا نلاحقه ونبث بداخله أنفاسنا المتحمسة الساخنة و ذلك قبل أن ينفجر إلى مزق و شظايا كانت منال المتضرر الرئيسي منها.
و لربما، في بعض عطل نهاية الأسبوع، كنا نقيم حفلات صغيرة في منزلنا، نرقص فيها ونلتهم الشطائر. في تلك الحفلات كان بريق منال يخفت نوعاً ما لسبب أجهله، بحيث كنت أشعر بتأنيب الضمير عقب انتهاء الحفلة لأنني لم أجالسها أو أجاملها طويلاً، على الأقل بالقدر الذي يتلاءم مع ما تشاركناه على المستوى النفسي في مادة فقه اللغة، هذا الكمون والانحسار في أجواء منال والذي يمنعها من الانخراط في مجاميع الصبايا، لم يمنع كونها كانت تزين المقعد الذي تشغله، كانت تضع أحمر شفاه عنابياً غامقاً، وترفع شعرها عن وجهها بطوق أسود متين لينسدل على ظهرها، فتضئ بشرتها الزيتونية اللامعة، فتبدو كصبايا نجد اللواتي أورقن بعد سنين الطفرة، ظباء صحراوية مجلوّةً بعد سنين مغدقةً الربيع، ويندر أن تستطيع تلمُّس ملامح البحر المتوسط بها، باستثناء ذلك النفس الضئيل من اليافاوية المتمططة والتي توارت وذابت في مدينة الرياض.
رسالة مزدحمة بأربع صفحات من خط أنيق متلاحق بصفوف رفيعة وحريصة، نوعية الورق المزخرف وتنظيم الرسالة يشيران إلى طبع رومانسي لا يندمل.

:وفاء

ماذا أبثكِ: الشجوى أم الشكوى؟ كيف أنتِ؟ أكتب لكِ هذه الرسالة و الساعة لديكم الآن في الرياض الخامسة و النصف عصراً، لم أغير ساعتي عن توقيت الرياض لعل هذا هو الرابط الوحيد الذي يبقيني في تواصلٍ ما مع الرياض. و لا أبالي ما هو التوقيت هنا، ولكن على ما أعتقد نحن في إحدى ساعات الصباح الطويلة المتشابهة، فرق التوقيت بيننا سبع ساعات...
الخامسة و النصف عصراً في الرياض..آآآآه..هل بدأت المدينة ترفع عن نفسها غطاء قيلولتها؟ لتتمطى المنازل مع صفير إبريق الشاي المنعنع؟ هل بدأت سيارات الآيسكريم تمخر الشارع؟ طريق المطار والاستراحات المتناثرة على وجه المدى، حيث يبزغ دوماً مع الأفق قمر ملتهب وعارم يشرع بوابة المساء، هنا القمر بردان وتائه، تلطمه السحب، ويتغشاه غبار الثلج، القمر هنا هو أمير الصحراء الضال حيث الوحدة والوجوم و الصقيع.

إقـرأ هُنا بقيـَّة القـصة